أسعار اللحوم الحمراء في أمريكا تسجل أعلى مستوياتها منذ عقود بسبب تراجع القطعان وأزمات الإنتاج
كشفت بيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي عن ارتفاع قياسي في أسعار اللحوم الحمراء خلال شهر مايو 2025، حيث بلغ متوسط سعر اللحم البقري المفروم نحو 5.98 دولار للرطل، بزيادة سنوية وصلت إلى 16.2%، في حين وصلت أسعار شرائح السيرليون و"تشاك روست" إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال النصف الأول من العام.
ووفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذا الارتفاع يأتي في وقت يواجه فيه قطاع تربية الماشية الأمريكي أزمة تاريخية، بعد تراجع أعداد الأبقار المخصصة لإنتاج اللحوم إلى 27.9 مليون رأس فقط، وهو أدنى مستوى منذ عام 1952، حسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية.
انخفاض تاريخي في عدد الأبقار بسبب الجفاف وإغلاق مصانع
وأشارت الصحيفة إلى أن أعداد الماشية في الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 13% منذ عام 2019، في حين لم يتغير الطلب الاستهلاكي بشكل يُذكر، ما أدى إلى ضغط غير مسبوق على المعروض وارتفاع الأسعار بشكل حاد.
ويُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل تراكمت خلال السنوات الأخيرة، أبرزها الجفاف المزمن في مناطق الإنتاج الحيواني، وإغلاق عدد من مصانع تجهيز اللحوم، إلى جانب تغيرات في أنماط الاستهلاك الغذائي لدى الأمريكيين.
وقال أحد أصحاب مطاعم البرجر في كاليفورنيا إنه اضطر لرفع أسعار البرجر للمرة الأولى منذ افتتاح مطعمه، مؤكدًا: "لم نكن نتوقع أن تصل الأسعار إلى هذا الحد".
التوسع السابق انعكس سلبًا بعد تراجع أسعار الشراء وارتفاع الأعلاف
ويرى اقتصاديون أن موجة التوسع في تربية الماشية التي بدأت منذ عام 2014 سرعان ما انعكست سلبيًا، بعد تراجع أسعار شراء المواشي، وارتفاع تكاليف الأعلاف نتيجة الجفاف، مما دفع العديد من المربين إلى تقليص حجم قطعانهم لخفض الخسائر المتراكمة.
وتفاقمت الأزمة مع جائحة كورونا، حيث أُغلقت العديد من مصانع تجهيز اللحوم أو قلصت قدرتها الإنتاجية، وهو ما أدى إلى انخفاض الطلب على الماشية من جهة، وتراجع أسعار الشراء من جهة أخرى.
تحركات الشركات والمربين لمواجهة الأسعار المتصاعدة
وبدأ بعض المربين حاليًا بإعادة بناء قطعانهم للاستفادة من الأسعار المرتفعة، إلا أن دورة إنتاج العجول تتطلب ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام حتى تبلغ مرحلة الذبح، ما يعني أن الأسعار ستظل مرتفعة حتى عام 2026 على الأقل، حسب تقديرات وزارة الزراعة.
ورغم العبء الكبير على المستهلكين، فقد شكّل ارتفاع الأسعار فرصة لتعويض الخسائر القديمة لدى المربين، حيث أشار أحدهم إلى أن منشأته الخاصة بتغذية الماشية وتعبئة اللحوم ما زالت محافظة على قاعدة زبائنها، لكنها قامت بتعديل سياستها التسويقية من خلال تقديم تخفيضات على الكميات الكبيرة، وتقسيم القطع الكبيرة إلى حصص صغيرة بأسعار أقل.
دعاوى قضائية وتحركات من شركات كبرى لتأمين الإمدادات
وتحاول بعض الشركات الكبرى مثل ماكدونالدز وسيسكو التحوّط من التقلبات السعرية الحادة، حيث رفعت دعاوى قضائية ضد كبار منتجي اللحوم بتهمة التواطؤ في رفع الأسعار بشكل مصطنع، رغم نفي الشركات لهذه الاتهامات. وقد تمت تسوية بعض هذه الدعاوى مقابل عشرات الملايين من الدولارات.
من جهة أخرى، اتجهت سلاسل البيع بالتجزئة الكبرى، مثل وولمارت وكوستكو، إلى الاستثمار المباشر في سلسلة توريد اللحوم لتأمين إمداداتها الخاصة، وتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين. وافتتحت وولمارت مؤخرًا منشأة لتعبئة اللحوم في ولاية كنساس، إلى جانب استثمار في مسلخ بولاية نبراسكا.