وكيل الأزهر:السودان يباد أهله بلا وخز من ضمير ولا ألم من قلب
 
 
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية لم تتوقف عند غزة فحسب، فها هو السودان يباد أهله، بلا وخز من ضمير ولا ألم من قلب، مستشهدًا بما تضمنته كلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، هذا الأسبوع في إيطاليا، التي أكد خلالها أن مشهد غزة الذي يجثم على صدورنا منذ أكثر من عامين ليكشف عن خلل خطير في بنية النظام الدولي، واضطراب بالغ في سياساته، وأن «السلام الدولي» بات أمره رهنا بموازين القوة وعنفوانها، وتجارة الأسلحة ومكاسبها، والحروب واقتصاداتها.
وأكد وكيل الأزهر خلال كلمته اليوم الخميس في افتتاح الملتقى التاسع الذي يعقده مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بمصر بعنوان: «الشباب والمعرفة»، أن الواقع المر يفرض علينا سلوكًا نوعيا، فنحن نعيش في عالم مضطرب لا يسمع فيه إلا للأقوى، لافتا إلى أن هذا الملتقى يأتي على درجة كبيرة من الأهمية؛ في ظل ما نعيش صداه من عالم مشحون باشتباكات فكرية، واستقطاب حاد، ومحاولات مستميتة لتدمير دول وشعوب باستخدام أساليب متنوعة، تستهدف المادة الصلبة للوطن، وهم الشباب، وتسعى إلى قطع الشباب عن تراثهم وعلومهم، وتزييف وعيهم وفكرهم.
وتابع وكيل الأزهر خلال كلمته بالملتقى الذي يشترك فيه 100 طالب من 22 دولة بمدينة الجلالة السويس، أن «الشباب والمعرفة» كلاهما قوة لا يستغني عنها وطن ولا أمة، وإذا كان لكل أمة ثروة تعتز بها، ورصيد تدخره لمستقبلها وقوة تبني عليها مجدها ونهضتها، فإن في مقدمة هذه الثروة الشباب الذي يعد الدعامة الأساسية في المجتمع، والثروة الحية الحقيقية فيه، والأمل المرتجى على الدوام. وإن من مظاهر التحضر والرقي لدى الأمم أن تعنى بالشباب، وأن تهيئ لهم ما يجعلهم رجالا أكفاء أقوياء تقوم الأوطان على سواعدهم.
وأوضح وكيل الأزهر أن من دلائل القيادة الرشيدة للأوطان أن تضع ضمن رؤيتها الاستراتيجية تمكين الشباب معرفيا ومهاريا ووجدانيا؛ فهم القوة الأكثر تأثيرا في الحاضر وهم المحرك الأهم في المستقبل. وقد جاء الإسلام بمنهج يعلي من قيمة الشباب، ويعمل على تربية نفوسهم، وتوجيه قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم، ويراعي طاقاتهم وقدراتهم الكامنة، ويضع السبل التي تعينهم على تسخير تلك الطاقة في الخير والمعروف، وبما يعود عليهم بالفائدة في أنفسهم وأوطانهم، وبما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وبيَّن أن الله قد وصف أهل الإيمان الذين أووا إلى الكهف، وحملوا أمانة الدين فقال عنهم: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}، وكان النبي ﷺ محاطا بشباب الصحابة الذين نقلوا نور الوحي إلى الدنيا، وكثيرا ما كان ﷺ يكلفهم للقيام بعدد من المهام الأجسام، مستشهدا فضيلته بنماذج من صحابة رسول الله ﷺ من الشباب، مثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حبر الأمة وترجمان القرآن، وزيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذي كان مترجما لرسول الله ﷺ حال حياته، ويجمع القرآن بعد وفاته في منقبة تبقى له أبد الدهر، وأسامة بن زيد رضي الله عنه الذي عقد له رسول الله صلى ﷺ لواء جيش إلى مؤتة وفي الجيش أكابر المهاجرين والأنصار، ولم يتجاوز عمره سبع عشرة سنة.
وقال الضويني إن الأمة لم ينقطع خيرها، داعيا الشباب ان يكونوا استمرارا لهذا الخير ولهذا العطاء الضروري، ضاربًا المثل بنماذج من شباب الإسلام الذي سخروا عقولهم وعبقريتهم لخدمة الإنسانية كافة، ولتأكيد أن الأمة قادرة وأن غيرها من الأمم ليس خيرا منها، العالم الجغرافي «الشريف الإدريسي» الذي كان أول من توصل إلى جغرافية الأرض، و«أبو بكر الرازي» الذي ألف في الطب قريبا من 230 كتابا ورسالة، و«الزهراوي خلف بن عباس الأندلسي» أول جراح في التاريخ، وأول من عالج حصوة المثانة بالتفتيت، وأول من ربط الشرايين لمنع النزيف، و«محمد بن الحسن بن الهيثم» المهندس الذي كان يلقب ببطليموس الثاني، والذي قيل إنه استدرك عليه في بعض النظريات، وهو أول من تخصص في علم البصريات، واكتشف استعمال الزجاج في تقوية البصر، وغير هؤلاء كثير وكثير.
وأكد وكيل الأزهر لشباب الملتقى من 22 دولة أن العلم سلاح، وأن المعرفة قوة، وأن المجتمعات والشعوب إذا لم تتسلح بالعلم والمعرفة فلن يكون لها أثر في هذا العالم الذي ربما تتوقف أحداثه سياسة واقتصادا واستقرارا وأمنا على معلومة، ناهيك عن أثر العلوم والمعارف في مسار الدول والأوطان، مبينًا فضيلته أنه وإذا كان العصر الحاضر ثريا بالمعرفة ومصادرها فإن هذا في ذاته تحد كبير يوجب عليكم أن تنتبهوا لمصادر تكوين عقولكم، ومنابع بناء قناعاتكم، فكثير من المصادر موجهة، تدس السم في العسل كما يقال! لذا فإن الحماية من تلك الأخطار تحتاج إلى يقظة كبيرة ووعي تام، وجهد متواصل، مع فهم عميق، وإدراك وروية.
ونبه وكيل الأزهر الشباب إلى أن تراثنا وعلومنا وتاريخنا وحضارتنا محل عناية واهتمام لدى الغرب، لذلك لا ينبغي أن ينخدع الشباب بما يُروج من أفكار تدور حول رفض الماضي بالكلية، فعلى الشباب ألا يردد مع من يردد: «ما جدوى البحث في كتب قديمة؟ وما فائدة هذه الجهود التي تبذل في رصد الكتب والمخطوطات والعمل عليها فهرسة وتحقيقا وتحليلا؟ فإنه إذا كان اقتحام علوم العصر ضرورة، فلا بد أن تكون أقدام الشباب ثابتة على أرض صلبة من حضارتنا وتاريخنا وقيمنا؛ فإن الاستغراق فيما يطرحه العصر، والاستجابة غير المشروطة لعطائه المتقلب لا يدع فرصة لليقظة، ويظل ينقل الإنسان خطوة بعد خطوة بعيدا عن هويته وقيمه حتى تملكه حالة من الاغتراب، أو بالأحرى التغريب المتعمد.
وفي ختام كلمته، دعا وكيل الأزهر الشباب أن يتذكروا أن العلم لا يستغني عنه مجتمع ولا وطن ولا أمة، وأننا إذا كنا أمة العلم، وأمة «اقرأ» وإذا كنا أمة «أخرجت للناس»؛ فلا يليق بنا أن نخرج للناس بلا علم يرشد حركتنا في الحياة، ويقوم سيرنا فيها! والواجب ونحن نسعى لامتلاك علوم العصر ألا يكون بيننا وبين تراثنا قطيعة معرفية، أو غربة علمية تجعلنا على هامش التاريخ، وكل واحد فينا عليه واجب علمي لا يتعداه إلى غيره.




 
                   
 
                 
          
                







 
                            
                            
                            
                            
                            
                            
                            
                           