مع حلول يوم عاشوراء من كل عام هجري، تتجدد في نفوس المسلمين مشاعر الإيمان والتوبة، لما لهذا اليوم من مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية.
يوم عاشوراء، الذي يوافق العاشر من شهر الله المحرم، ليس مجرد تاريخ في التقويم الهجري، بل هو مناسبة روحانية عظيمة تُذكرنا بسنن الأنبياء، وتمنحنا فرصة نادرة لتكفير ذنوب سنة ماضية بصيام يوم واحد فقط. وقد أكد النبي محمد ﷺ في أحاديثه الصحيحة على فضل هذا اليوم العظيم داعيًا المسلمين لاغتنامه صيامًا وشكرًا لله وإحياءً لسنة نبي الله موسى عليه السلام، الذي نجا وقومه من بطش فرعون في مثل هذا اليوم.
يوم عظيم في الإسلام.. تعرف على مكانته وفضله
يُعد يوم عاشوراء واحدًا من أبرز الأيام في التقويم الهجري الإسلامي، والذي يحمل في طياته العديد من الدروس والعبر والفضائل، يحتل هذا اليوم، الذي يوافق العاشر من شهر الله المحرم، مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما له من ارتباط بأحداث تاريخية وإيمانية جسيمة، ولما ورد فيه من أحاديث نبوية شريفة تُظهر فضل صيامه وعظيم ثوابه.
عاشوراء في القرآن والسنة.. تأكيد لعلو قدر هذا اليوم
على الرغم من أن يوم عاشوراء لم يُذكر صراحةً في القرآن الكريم، إلا أن شهر المحرم – الذي يُعد أول أشهر السنة الهجرية – ورد ذكره ضمن الأشهر الحُرُم، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز:
وقد جاء في السنة النبوية عددٌ من الأحاديث الصحيحة التي تبرز فضل هذا اليوم، أبرزها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
فضل صيام يوم عاشوراء.. عبادة عظيمة تكفّر ذنوب عام كامل
لماذا نصوم عاشوراء؟.. قصة نجاة موسى عليه السلام
ترتبط قصة صيام يوم عاشوراء بواقعة نجاة نبي الله موسى عليه السلام ومن آمن معه من بطش فرعون، حيث ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن سبب صيامهم، فقالوا:
"هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله"، فقال النبي: "نحن أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.
ويُستدل من هذا الحديث على أن صيام يوم عاشوراء ليس بدعة مستحدثة، وإنما هو من السنن التي توافق ملة الأنبياء، وأن الإسلام يعزز قيم الشكر لله والتوحد في العقيدة التوحيدية.
درجات صيام عاشوراء.. مراتب الفضل وتكفير الذنوب
ورد في السنة النبوية أن أفضل مراتب صيام عاشوراء أن يُصام اليوم التاسع والعاشر، لما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
"حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: "لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنّ التاسع"، فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وبذلك، يتضح أن مراتب صيام عاشوراء تكون كالتالي:
المرتبة الأولى: صيام التاسع والعاشر، وهو الأفضل، لمخالفة أهل الكتاب.
المرتبة الثانية: صيام العاشر والحادي عشر، أيضًا فيها مخالفة وزيادة في العمل الصالح.
المرتبة الثالثة: صيام يوم عاشوراء فقط، وهو جائز ويكفّر ذنوب سنة ماضية.
من أعظم ما ورد في فضل صيام يوم عاشوراء، أن الله سبحانه وتعالى وعد عباده الصائمين لهذا اليوم بأن يُكفّر لهم ذنوب سنة كاملة، وهذا من عظيم فضله سبحانه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
وقد أوضح العلماء أن الذنوب التي تُكفَّر بهذا الصيام هي الذنوب الصغائر، أما الكبائر فلا بد لها من توبة صادقة. ومع ذلك، فإن هذا لا يقلل من عظمة الفضل ولا من أهمية اغتنام هذه الفرصة العظيمة.
صيام عاشوراء ليس بديلًا عن باقي العبادات
يؤكد العلماء أن صيام عاشوراء، على الرغم من فضل تكفيره للذنوب، لا يعني الاستغناء به عن بقية العبادات، بل يُعتبر من أعمال البر التي يُستكمل بها إيمان المسلم ويُرجى بها القبول. فهو سنة مؤكدة، وليس فريضة، لكنه يحمل فضلًا لا يُستهان به.
يُستحب أن يصوم المسلم هذا اليوم مع أهله وأبنائه، اقتداءً بفعل الصحابة، فقد ثبت في الصحيح أن الصحابة كانوا يُصوّمون أبناءهم يوم عاشوراء، حتى أن بعض الأمهات كنّ يصنعن لهم اللعب من الصوف ليشغلوهم عن الجوع حتى غروب الشمس.
ماذا عن الأحاديث الضعيفة والبدع؟
في المقابل، يجدر التنبيه إلى وجود بعض الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة التي تُنسب إلى فضل غير صحيح لصيام عاشوراء، مثل: "من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته"، وقد أشار أهل العلم إلى ضعف هذا الحديث، وعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يحذر العلماء من بعض الممارسات البدعية التي ظهرت في بعض الطوائف يوم عاشوراء، كالتطبير أو اللطم أو إظهار الحزن المفرط، وكلها أفعال لا أصل لها في السنة، وتخالف نهج النبي والصحابة الكرام.
عاشوراء في قلوب المسلمين.. عبادة ومناسبة للتوبة
يمر يوم عاشوراء كل عام ليجدد في قلوب المسلمين معاني التوبة والتقرب إلى الله، ويذكرهم بنجاة المؤمنين من الظلم، ويُرسي قيم الصبر والشكر. وهو فرصة عظيمة لمن أراد أن يُطهر صحيفته، ويبدأ عامًا هجريًا جديدًا بصفحة بيضاء نقية.