المشهد الدولي وانعكاساته على إسرائيل
هل تستطيع إسرائيل الجمع بين المسارين السياسي والعسكري في حرب غزة؟

تتصدر الحرب في غزة عناوين الصحف الفرنسية الصادرة اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025، حيث تتقاطع التحليلات حول قدرة إسرائيل على الموازنة بين المسارين السياسي والعسكري وسط ضغوط دولية متزايدة. وتكشف هذه التغطيات أن الدعم الأمريكي لإسرائيل، إلى جانب المواقف الأوروبية، يشكل عنصرًا أساسيًا في استمرار الوضع القائم، لكنه في الوقت نفسه يفاقم الانتقادات الموجهة لتل أبيب بشأن استخدام أدوات الحرب لتجويع المدنيين.
دعم واشنطن وإفلات إسرائيل من العقاب
صحيفة لوموند اعتبرت أن الكارثة الإنسانية التي تعيشها غزة لم تكن لتحدث لولا استخدام الحكومة الإسرائيلية، صاحبة التفوق العسكري الساحق، سياسة التجويع كسلاح. وذكرت الصحيفة أن هذه الممارسات ليست معزولة في النزاعات العالمية، لكنها فريدة لكونها صادرة عن دولة تُقدَّم في الغرب على أنها ديمقراطية، وتحظى بقبول سياسي واسع. وأكدت أن الدعم الأمريكي غير المشروط تقريبًا يعزز هذا الإفلات من العقاب.
تقرير منقول عن إذاعة مونت كارلو
وبحسب ما نقل موقع إذاعة مونت كارلو، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك تمامًا أن المساندة الأمريكية تتيح له مرونة واسعة في إدارة ملف غزة. فخلال إدارة جو بايدن كان البيت الأبيض يتسامح مع القيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية، أما إدارة خلفه دونالد ترامب فذهبت أبعد عبر التنصل من تقارير دولية أكدت وقوع المجاعة، ومنها التقرير الصادر عن برنامج تصنيف الأمن الغذائي (IPC). هذا الموقف عزز قناعة نتنياهو بإمكانية المضي في استراتيجيته العسكرية دون خشية من عقوبات دولية حقيقية.
مأزق استراتيجي طويل الأمد
صحيفة لوبينيون نشرت تحليلًا للكاتب باسكال إيرو، أشار فيه إلى أن إسرائيل وبعد ما يقارب عامين من القتال تجد نفسها عالقة في مأزق استراتيجي. فالأهداف التي أعلنتها منذ البداية لم تتحقق: لا انهيار كامل لسلطة حركة حماس، ولا تدمير لقدراتها العسكرية، ولا تقدم في ملف الرهائن المحتجزين داخل غزة. والأكثر خطورة، وفق التحليل، أن الوضع الأمني لم يتغير بشكل جوهري داخل إسرائيل، ما يجعل الحرب عبئًا متزايدًا بدلًا من كونها أداة لتحقيق الاستقرار.
انقسامات داخلية إسرائيلية
هذا الفشل انعكس على الساحة الداخلية، حيث يزداد الشرخ بين الإسرائيليين. فهناك من يطالب بصفقة تبادل فورية تضمن الإفراج عن الرهائن، بينما يرفض آخرون أي تنازل سياسي أو تفاوض مع حماس. هذه الانقسامات جعلت الحكومة الإسرائيلية في وضع هش، حيث تفتقد إلى رؤية موحدة بشأن مستقبل غزة. وفي خضم هذه الانقسامات، تتراجع قدرة نتنياهو على فرض خط سياسي واضح أو حشد الدعم الشعبي الكامل لاستمرار الحرب.
توصيات مراكز الدراسات الأمنية
المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي أوصى في مذكرته الأخيرة بضرورة الدمج بين المسارين العسكري والسياسي للخروج من المأزق. ويرى خبراؤه أن الهدف يجب أن يكون إضعاف حماس عسكريًا إلى الحد الذي يمنعها من السيطرة، مع استبعادها من أي دور سياسي مستقبلي في حكم غزة. هذه الرؤية تطرح تحديات عملية كبيرة، إذ لا توجد حتى الآن قوة بديلة جاهزة لتحمل أعباء الحكم أو ضمان الاستقرار الأمني في القطاع.
تأكيد آخر من إذاعة مونت كارلو
ومرة أخرى يشير تقرير موقع إذاعة مونت كارلو إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد بتآكل الدعم الدولي لإسرائيل، حتى من أقرب حلفائها الغربيين. فالتناقض بين خطاب "الحرب على الإرهاب" والواقع الإنساني في غزة بات مكشوفًا على نطاق أوسع. ومع تصاعد الانتقادات في عواصم أوروبية، تخشى الدبلوماسية الإسرائيلية من فقدان أوراقها التفاوضية في المنتديات الدولية، وهو ما يزيد من صعوبة الموازنة بين القتال المستمر ومحاولات كسب الشرعية السياسية.
حدود الدور الدبلوماسي الفرنسي
في سياق آخر، سلطت صحيفة لو باريزيان الضوء على الجدل الدائر في فرنسا بعد تصريحات السفير شارل كوشنر، الذي تجاوز فيها حدود مهمته الدبلوماسية. وأكدت الصحيفة أن اتفاقية فيينا ومواثيق الأمم المتحدة تضع قيودًا واضحة على دور السفراء، الذي يقتصر على التفاوض وتعزيز العلاقات وحماية مصالح دولهم، دون التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للدول المضيفة. هذا النقاش يعكس بدوره التوترات التي ترافق الدور الفرنسي في الشرق الأوسط، خاصة في ظل تزايد الانتقادات لسياسات باريس الخارجية.
مشهد فرنسي مرتبك أمام التحديات الدولية
وتضيف صحيفة ليبراسيون أن رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا بايرو يواجه بدوره ضغوطًا داخلية متصاعدة، ما يضعف قدرة فرنسا على بلورة سياسة خارجية متماسكة تجاه ملفات مثل غزة وأوكرانيا. ويؤكد مراقبون أن الرئيس إيمانويل ماكرون يصعّد في خطابه لكنه يفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت فرنسا قادرة على الحفاظ على مكانتها كصوت مؤثر في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو التعددية القطبية. وبين مأزق إسرائيل في غزة وتحديات الدبلوماسية الأوروبية، يبدو أن التوازن بين العسكري والسياسي لا يشكل معضلة إسرائيلية فقط، بل هو اختبار عالمي تتشارك فيه عواصم عدة.