البعد عن مصادر الأذى النفسي.. الخطوة الأولى في رحلة التعافي
البعد عن مصادر الأذى النفسي.. الخطوة الأولى في رحلة التعافي

في ظل الضغوط المتزايدة التي يشهدها العالم المعاصر أصبح الحديث عن الصحة النفسية أمرًا لا يقل أهمية عن الاهتمام بالصحة الجسدية.
فبينما تتوافر النصائح حول التغذية والرياضة يظل العامل النفسي محاطًا بالكثير من الغموض، خاصة عندما يتعلق الأمر بخطوات التعافي.
ويرى خبراء علم النفس أن البداية الحقيقية لأي عملية تعافٍ نفسي تكمن في الابتعاد عن مصادر الأذى سواء تمثلت في أشخاص سامّين أو عادات سلبية مثل الإدمان على الكحول أو المخدرات أو حتى أنماط التفكير الهدامة.
الأذى النفسي وجه خفي لمعاناة يومية
الأذى النفسي قد لا يترك كدمات واضحة على الجسد، لكنه يترك جروحًا عميقة في الروح والعقل.
وتتنوع أشكاله بين الإهانة المستمرة، الاستهزاء، السيطرة المفرطة، أو التلاعب العاطفي.
كما أن الاعتماد على الكحول أو المواد المخدرة يعدّ شكلًا آخر من أشكال الإيذاء الذاتي الذي يفاقم الأزمات بدل أن يخففها.
ويرى الأخصائيون أن تجاهل هذه العلامات يؤدي إلى تراكم الضغوط النفسية، التي قد تنعكس لاحقًا في صورة اكتئاب، قلق مزمن، فقدان ثقة بالنفس، أو اضطرابات جسدية مرتبطة بالتوتر.

البعد كخطوة إنقاذ من الأذى النفسي
حسب دراسات حديثة في مجال العلاج السلوكي، فإن أول خطوة للتعافي النفسي تكمن في إبعاد المريض عن بيئة الأذى.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن لشخص يعاني من إدمان الكحول أن يبدأ رحلة التعافي بينما زجاجات الشراب تحيط به يوميًا.
وبالمثل، لا يمكن لشخص يحاول استعادة ثقته بنفسه أن ينجح وهو يعيش في ظل علاقة سامة مليئة بالانتقاد واللوم المستمر.
هل حماية النفس من الأذي النفسي يعني القطيعة التامة؟
يشير خبراء العلاقات الإنسانية إلى أن "البُعد" لا يعني بالضرورة القطيعة التامة خاصة عندما يتعلق الأمر بروابط عائلية أو التزامات مهنية.
ففي هذه الحالات يُنصح بوضع حدود واضحة تقلل من فرص الاحتكاك المؤذي، وتحافظ في الوقت ذاته على الحد الأدنى من التواصل الاجتماعي.
أما في حالات الإيذاء الشديد، سواء النفسي أو الجسدي، فهنا يصبح الانسحاب الكامل ضرورة حتمية حفاظًا على السلامة النفسية والجسدية على حد سواء.
دور الدعم النفسي والاجتماعي
الابتعاد عن مصدر الأذى خطوة أولى، لكنها ليست كافية بمفردها إذ يحتاج الفرد بعدها إلى شبكة دعم قوية، سواء من الأصدقاء والعائلة أو من خلال اللجوء إلى متخصصين في العلاج النفسي.
فالدعم يمنح الشخص المتعافي شعورًا بالاحتواء، ويزوده بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات الجديدة بعيدًا عن دائرة الأذى.
نحو ثقافة وقاية نفسية من أضرار الأذى النفسي
إن بناء وعي مجتمعي حول مخاطر الأذى النفسي وأهمية البُعد عنه يمثل ركيزة أساسية لحماية الأجيال الجديدة.
فالمجتمعات التي تشجع على الحوار الصحي احترام الحدود، والتعامل الإيجابي تقل فيها نسب الاضطرابات النفسية بشكل ملحوظ.
التعافي من الأذى النفسي
التعافي النفسي رحلة طويلة قد تبدأ بخطوة صغيرة، لكنها خطوة فارقة.
والابتعاد عن الأشخاص أو السلوكيات المؤذية ليس هروبًا، بل هو شجاعة حقيقية تضع الأساس لمرحلة جديدة من السلام الداخلي.
وبينما يظن البعض أن مواجهة الأذى بالصبر كافية، تؤكد التجارب أن الحل الأكثر حكمة هو اختيار البيئة الآمنة التي تسمح للإنسان بالنمو من جديد.