الصحة النفسية للحامل... عامل خفي يصنع سلام الأم وجنينها

الصحة النفسية للحامل... عامل خفي يصنع سلام الأم وجنينها

الفجر الطبي

بوابة الفجر

الحمل ليس مجرد حدث بيولوجي أو حالة جسدية بل تجربة إنسانية متكاملة تمسّ أعماق المرأة نفسيًا وعاطفيًا.

ففي الوقت الذي ينشغل فيه الكثيرون بمتابعة التغذية والفحوص الطبية، تغيب أحيانًا عن الأذهان أهمية الصحة النفسية للحامل، رغم أنها لا تقلّ شأنًا عن صحتها الجسدية، بل تؤثر مباشرة على نمو الجنين وسلامته.

تغيرات نفسية طبيعية لكنها مرهقة

منذ الأسابيع الأولى للحمل تبدأ الهرمونات بالتغير بشكل كبير وخاصة هرموني الإستروجين والبروجسترون، ما يؤدي إلى اضطراب في المزاج والشعور بعدم الاستقرار العاطفي.
تنتقل المرأة بين لحظات من السعادة الغامرة بقدوم المولود إلى نوبات من القلق أو البكاء دون سبب واضح.
كما تظهر مشاعر الخوف من التغيرات الجسدية، أو من آلام الولادة أو حتى من مسؤوليات الأمومة القادمة.

ورغم أن هذه التقلبات طبيعية، إلا أن تجاهلها قد يؤدي إلى حالة من التوتر المزمن أو الاكتئاب الذي يحتاج إلى تدخل متخصص.

التغذية-السليمة-أثناء-الحمل
التغذية-السليمة-أثناء-الحمل

أسباب القلق النفسي أثناء الحمل

الصحة النفسية للحامل تتأثر بعدة عوامل، بعضها داخلي وبعضها خارجي، من أبرزها:

  • التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الناقلات العصبية في الدماغ.
  • الخوف من المجهول، خاصة لدى الأمهات الجدد.
  • الضغوط الاجتماعية أو الخلافات الزوجية.
  • ضعف الدعم الأسري أو الإحساس بالوحدة.
  • الظروف المادية الصعبة أو القلق بشأن المستقبل.

تلك العوامل مجتمعة يمكن أن تجعل الحمل مرحلة مليئة بالتوتر إن لم تجد المرأة من يساندها نفسيًا ومعنويًا.

أثر الحالة النفسية على الجنين

يؤكد الأطباء والمتخصصون أن نفسية الأم تنعكس بشكل مباشر على الجنين.

فعندما تتعرض الأم للتوتر والقلق المستمر، يفرز جسمها هرمون الكورتيزول الذي ينتقل عبر المشيمة إلى الجنين، ما قد يؤثر على نموه العصبي والنفسي مستقبلًا.

وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين تتعرض أمهاتهم للضغوط النفسية أثناء الحمل، يكونون أكثر عرضة للانفعال أو اضطرابات النوم بعد الولادة.
لهذا، فإن الحفاظ على راحة الأم النفسية هو في الواقع استثمار في صحة الجيل القادم.

علامات تستدعي الانتباه أثناء الحمل 

ليست كل المشاعر السلبية مقلقة، ولكن هناك علامات تشير إلى ضرورة طلب المساعدة النفسية:

  • استمرار الحزن أو البكاء لفترات طويلة.
  • فقدان الرغبة في الطعام أو النوم.
  • الشعور الدائم بالذنب أو العجز.
  • العصبية الزائدة أو نوبات الغضب المفاجئ.
  • الخوف الشديد من الولادة أو فقدان الجنين.

عند ظهور هذه الأعراض، يُستحسن مراجعة الطبيب النفسي أو الأخصائي الاجتماعي لمتابعة الحالة قبل تفاقمها.

كيف تحافظ الحامل على توازنها النفسي؟

لتحقيق التوازن النفسي خلال الحمل، ينصح الخبراء بعدة خطوات عملية:

  1. الراحة والنوم الكافي: فالنوم المنتظم يساعد على تهدئة الأعصاب وتحسين المزاج.
  2. الدعم الأسري: كلمة مطمئنة من الزوج أو الأم قادرة على إحداث فرق كبير.
  3. التعبير عن المشاعر: لا تخفي الحامل مخاوفها، فالتعبير عنها يقلل من التوتر.
  4. ممارسة أنشطة مريحة: كالمشي، القراءة، التأمل، أو سماع الموسيقى الهادئة.
  5. تجنب العزلة: التواصل مع الأصدقاء والأمهات الأخريات يمنح شعورًا بالأمان.
  6. اللجوء إلى مختص نفسي عند الحاجة دون خجل أو تردد.

دور الأسرة والمجتمع

لا تقتصر مسؤولية العناية بالحامل على الطبيب وحده، بل تمتد إلى الأسرة والمجتمع المحيط بها.
فالكلمة الطيبة، والمساندة العاطفية، وتخفيف الضغوط اليومية، كلها عوامل تسهم في خلق بيئة آمنة ومستقرة نفسيًا.
كما ينبغي توعية الأزواج بأهمية الدعم العاطفي أثناء الحمل، لأنه يُخفف من التوتر ويقوّي العلاقة الأسرية استعدادًا لاستقبال المولود.

هل الصحة النفسية للحامل رفاهية ؟

الصحة النفسية للحامل ليست رفاهية، بل ركن أساسي من أركان الحمل الآمن.

فكل مشاعر سعادة أو قلق تمر بها الأم تصل إلى جنينها بطريقة أو بأخرى، لتؤثر في تكوينه العاطفي منذ أن يكون في الرحم.
لذلك، فإن الاعتناء بنَفْس الحامل، وتوفير بيئة داعمة وهادئة، هو أول هدية حقيقية تُمنح للطفل قبل أن يرى النور.