السوشيال ميديا.. كيف غيّرت وعي الشباب وشكلت ثقافتهم اليومية؟
تشهد المجتمعات العربية والعالمية تحولًا جذريًا في طريقة تفاعل الشباب مع العالم من حولهم، بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، بل مصدرًا رئيسيًا للمعلومات والثقافة والتأثير.
ورغم ما تقدمه هذه المنصات من فرص واسعة للتعبير والتواصل، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر لا يمكن تجاهلها.
جيل يعيش على الشاشة
لم يعد الهاتف مجرد وسيلة اتصال، بل أصبح نافذة يتعرف الشباب منها على العالم. تشير تقارير حديثة إلى أن متوسط استخدام الشباب للسوشيال ميديا يصل إلى 4–7 ساعات يوميًا، وهو رقم يعكس مدى ارتباطهم بكل ما يدور على هذه المنصات.
يعتبر بعض الخبراء أن هذا الجيل بات “جيلًا رقميًا”، يعيش تفاصيل يومه بين “اللايك” و“الكومنت” و“المشاركة”، مما جعل السوشيال ميديا شريكًا أساسيًا في تشكيل الهوية والسلوك والذوق وحتى العلاقات.

التأثير على الثقافة والوعي
ساهمت المنصات الرقمية في تغيير مصادر المعرفة. فبعد أن كانت الكتب والصحف هي المرجع، أصبح المحتوى القصير هو الأكثر انتشارًا، ما أدى إلى:
- تسطيح بعض المفاهيم بسبب التركيز على السرعة لا العمق
- انتشار الأخبار المضللة
- زيادة الاعتماد على المؤثرين كمصدر للمعلومة
- نمو ثقافة “التريند” على حساب التفكير النقدي
ورغم ذلك، فتحت السوشيال ميديا أبوابًا للتعلم الذاتي، ومكنت كثيرًا من الشباب من الوصول إلى محتوى تعليمي في مجالات مثل الصحة النفسية، التكنولوجيا، ريادة الأعمال، أو تطوير الذات.
علاقات رقمية.. ومشكلات واقعية
أحدث التواصل الإلكتروني ثورة في العلاقات، خاصة بين جيل الشباب.
فأصبح التعارف، والتعبير عن المشاعر، وحتى الخلافات، تتم عبر الرسائل. لكن هذه التغيرات صاحبتها مشكلات واضحة مثل:
- هشاشة العلاقات بسبب غياب التواصل الواقعي
- سوء الفهم المتكرر نتيجة غياب لغة الجسد
- الإدمان العاطفي على الأشخاص عبر الإنترنت
- التعرض للتحرش الإلكتروني أو الاستغلال
وتشير دراسة أجنبية إلى أن 1 من كل 3 شباب تعرضوا لموقف سلبي عبر الإنترنت أثر على صحتهم النفسية.
إدمان السوشيال ميديا.. مشكلة صامتة
يؤكد علماء النفس أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى:
- ضعف التركيز
- القلق والاكتئاب
- اضطرابات النوم
- المقارنة المستمرة التي تضعف تقدير الذات
- الشعور بالوحدة رغم كثرة المتابعين
ويشير الأطباء إلى أن الدماغ يفرز “الدوبامين” عند تلقي الإعجابات أو التعليقات، مما يجعل السوشيال ميديا تشبه الإدمان السلوكي.
هل يمكن استخدام السوشيال ميديا بشكل صحي؟
رغم سلبياتها، إلا أن الاستخدام الواعي يحولها إلى أداة فعالة، وذلك من خلال:
تحديد وقت يومي للاستخدام
لتجنب إضاعة الوقت أو التشتت الذهني.
اختيار المحتوى بعناية
متابعة حسابات مفيدة تزيد الوعي وتطور المهارات.
التفاعل الحقيقي مع الأصدقاء خارج الشاشة
للحفاظ على الصحة النفسية والعلاقات الواقعية.
التحقق من الأخبار قبل نشرها
لمواجهة الشائعات والمعلومات الكاذبة.
الابتعاد عن المقارنات
فمعظم ما يُنشر على الإنترنت غير كامل أو مثالي كما يبدو.
السوشيال ميديا كفرصة
من ناحية أخرى، وفرت المنصات الرقمية فرصًا كبيرة للكسب، والتسويق، والتعلم، وصناعة المحتوى، وجعلت الكثير من الشباب يحققون نجاحات مهنية دون موارد كبيرة.
كما ساعدت في نشر الوعي بقضايا مهمة مثل الصحة النفسية، حقوق المرأة، والعمل التطوعي.
لا يمكن إنكار التأثير العميق للسوشيال ميديا على وعي وثقافة الشباب فهي أداة ذات حدّين؛ يمكن أن تبني عقولًا وتفتح أبوابًا للإبداع، ويمكن أن تخلق ضغوطًا ومشكلات نفسية.
ويبقى الحل هو الاستخدام الواعي، والتوازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية.






